كُتب الكثير عن فكرة أن هوية الدولة لا تُختزل في شعار، إنها عبارة نرددها كثيراً في بداية مشاريعنا، وكأنها مبدأ أساسي، ومع ذلك، لا تزال بعض الدول تقع في نفس الفخ: تصميم شعار و”إطلاق الهوية”.
الحقيقة هي: بناء العلامة الوطنية ليس حدثاً لمرة واحدة، بل هي عملية مستمرة، مرنة، تتطلب رؤية استراتيجية وتفكير طويل الأمد، حصر العلامة الوطنية في مجرد تصميم شعار يؤدي غالباً إلى التباس ورفض وانتقادات سواء من الجمهور المحلي، أو من الشركاء، أو من الجمهور الدولي.
لماذا تستمر الدول في التمسك بالشعارات؟
الإجابة ببساطة: هي الرغبة في الظهور وسهولة الإنجاز، الشعارات مفهومة، يسهل استيعابها بسرعة، ويمكن نشرها بسهولة، وتمنح شعوراً بالنجاح، لكنها في الغالب تكون حلاً متعجلاً، هناك اعتقاد خاطئ شائع بأن هوية الدولة تعمل مثل العلامات التجارية، لكنها لا تعمل كذلك.
بينما قد يكون الشعار التجاري كافياً للتعريف بالمنتج أو زيادة المبيعات، فإن هوية الدولة أعمق بكثير، لا يمكن اختزال قرون من الثقافة، والقيم، والتاريخ، وتنوع الرؤى والطموحات في رمز واحد فقط.
اسأل نفسك: ما هو شعار اليابان؟ جنوب أفريقيا؟ البرازيل؟ من المحتمل أنك لا تتذكره، لكن هل لديك صورة ذهنية عما تمثله تلك الدول؟ أغلب الناس لديهم، وهذا هو جوهر نجاح العلامة الوطنية للدولة : الانطباعات الدائمة، وليس الشعارات التي يسهل تذكرها.
لماذا تُعد العلامة التجارية الاستراتيجية مهمة للدول؟
في ظل الاستقطاب المتزايد، وصعود الذكاء الاصطناعي، وتحوّل المجتمعات إلى مجموعات استهلاكية مثل: (المسافرين المهتمين بالبيئة، والرحالة الرقميين، ورواد الأعمال الناشئين)، أصبحت إدارة السرد جزءاً أساسياً من بناء العلامة الوطنية.
لم يعد الناس يختارون وجهاتهم، أو أماكن العيش، أو العمل، أو الاستثمار بناءً فقط على عوامل جذب مادية مثل الطبيعة الخلابة أو المواقع التاريخية أو البنية التحتية كالمؤسسات التعليمية أو المرافق الترفيهية أو اللوجستية، بل يبحثون بشكل متزايد عن التوافق مع القيم ونمط الحياة والهوية.
هنا يأتي أهمية بناء هوية وطنية راسخة ليس كأداة تسويقية، بل كاستراتيجية شاملة لمعالجة السرديات المتضاربة، وتصميم صورة ذهنية تعبّر عن واقع الدولة وطموحاتها، الاستراتيجية الناجحة ترتكز على توافق داخلي بين القيم والمقومات الثقافية والاقتصادية، وصورة خارجية تتحدث بصدق وواقعية مع العالم.
ما بعد الشعار: استراتيجية طويلة المدى
العلامة الوطنية للدول ليست حملة اتصالية، وليست أيديولوجية سياسية، إنها عمل مشترك طويل الأمد يجمع بين الأطراف ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص، والشعوب لتعزيز الوضع الاستراتيجي للدولة.
وهذا يعني:
- فهماً دقيقاً للصورة الحالية للدولة في أذهان الناس، عبر شرائح متنوعة ومناطق جغرافية مختلفة.
- تحديد التصوّر المرغوب، وربطه بالأصول الوطنية الحقيقية.
- صياغة سياسات ومبادرات وروايات تتماشى مع هذا التصوّر، وتستبق المخاطر المستقبلية.
الإدراك العام معقّد ومتعدد الأبعاد، ويتشكل من الأمن، والحوكمة، والتعليم، والابتكار، والمساهمة العالمية، وغيرها.
في بلوم للاستشارات، أجرينا بحوثاً موسعة بالتعاون مع سيتي نيشن بليس ، و66 خبيراً دولياً، ومؤسسات أكاديمية مثل جامعة بومبيو فابرا وجامعة برشلونة المستقلة.
وحددنا 13 عنصراً تشكّل التصور العام للدول، تشمل هذه العناصر كل شيء من التأثير الثقافي والقيم السياسية، إلى جودة المنتجات الوطنية، والنظم الصحية، وبيئة الأعمال، فهم موقع الدولة في هذه العناصر هو الأساس لأي هوية وطنية استراتيجية.

المصدر: Bloom Consulting
القوة الناعمة هي قدرة الدولة على التأثير من خلال الجاذبية والإقناع، أما العلامة الوطنية، فهي استراتيجية مدروسة ومنظومة متكاملة للتواصل مع العالم حول قيم الدولة ومزاياها، ويشمل ذلك بطبيعة الحال أصول القوة الناعمة، كما ناقشناها في سلسلة مقالاتنا السابقة.
أين يقع الشعار من كل هذا؟
هذا لا يعني أن الهوية البصرية غير مهمة، بل بالعكس يجب أن تتجاوز الرمز وتُعبّر عن لغة بصرية كاملة متسقة مع الرؤية المركزية للعلامة الوطنية.
على سبيل المثال: تمثل الهوية البصرية لدولة سلطنة عُمان نتيجة شهور من التعاون المكثف بين مبدعين محليين ومصممين دوليين، بُنيت على بحث شامل في الدلالات الثقافية والاجتماعية، ونُفذت من خلال استطلاعات متعددة، ومقابلات، ومجموعات تركيز.
إن بناء هوية وطنية هو عمل مكثف، واستراتيجي مشترك يدعم القوة الناعمة، والرغبة في اختزاله إلى مجرد شعار هو بالضبط ما يمنع العديد من الدول من بناء هوية قوية ودائمة، الشعار وحده لا يصنع التصورات، لكن استراتيجية طويلة الأمد مبنية على فكرة مركزية قوية، تستند إلى البيانات، وتُلهم الجمهور، وتُطبق باستمرار على مدى الزمن، قد تصنع ذلك.
For citation purposes: Bloom Consulting (2025): Strategic Branding 101: moving Nation Brands beyond the logo, Bloom Consulting Journal
نُشر في 05.08.2025